• المكتب الإعلامي21/06/2019
    المقاومة أقصر الطرق للقدس وأقربها إلى الله
  • المتواجدون الآن داخل الموقع

  • إحصائيات المدونة

    • 854٬954 الزيارات

نقتل ونُقتل بحثاً عن حرية: الشهيد الطفل احمد الخطيب ينقذ حياة ستة اسرائليين

جنين – اقصى برس – تحل علينا اليوم الخامس من شهر نوفمبر، ذكرى إستشهاد الطفل: أحمد إسماعيل الخطيب، من مخيم جنين، والذي أثبتت حادثة إستشهاده في مثل هذا اليوم من العام 2004 للعالم أجمع أن الشعب الفلسطيني لا يقتل ولا يقاتل لأجل القتل، بل بحثاً عن حريته بين دواليب الموت السوداء، وذلك عندما تبرع والده بأعضاءه بعد إستشهاده لستة أطفال إسرائيليين ليؤكد، أن الإنسانية أساس النضال الفلسطيني .

 

 

كان بالإمكان أن لا تتجاوز أصداء جريمة قتل الطفل احمد إسماعيل الخطيب، ابن الثانية عشرة، على أيدي جنود الاحتلال صبيحة يوم العيد حدود بيت عائلته في مخيم جنين، وربما حارته أو مخيمه على أبعد تقدير لو لم يهِب والده الثاكل أعضاء جسد طفله الصغير العزيز على قلبه لمرضى من “الأعداء” والأشقاء خلف الخط الأخضر.

 

 

 

إسماعيل الخطيب الفلسطيني الذي شهد واسرته، كما جميع أبناء المخيم والعالم بأسره، قبل ثلاثة أعوام أعتى عدوان دموي لآلة الدمار العسكرية الإسرائيلية، تسامى على جراحه وتبرع بقلب ابنه الشهيد الذي لم يرتوِ بفرحة العيد لطفل اخر، واهباً إياه الحياة عله يستطيع أن يمارس طقوس الطفولة وبراءتها.

ولم يكن سهلا على الأب الثاكل في معمعان العدوان الإسرائيلي الدموي وعمليات الاجتياح المتلاحقة لاسيما في منطقة جنين والتي أوقعت في غضون أيام قليلة خمسة شهداء من أبناء شعبه وأهله أن يبوح برغبته التبرع لمرضى إسرائيليين وفلسطينيين دون تمييز بأعضاء طفله الذي انتزعه رصاص الاحتلال من عندليب براءته لا لسبب إلا لأنه كان يحاول مثل اقرانه انتزاع لحظة فرح يتيمة من براثن الرصاص وعمليات القتل والتدمير التي تواصلت حتى يوم العيد الخميس (3/11/2005).

وكان الطفل أحمد أصيب برصاصتين في الرأس والبطن عندما فتحت قوات الاحتلال النار على مجموعة من الأطفال كانوا يلهون في مخيم جنين، في صبيحة اليوم الأول من عيد الفطر الخميس (3/11/2005). وقد رقد في غيبوبة تامة في مستشفى “رمبام” الإسرائيلي إلى أن أعلن استشهاده مساء السبت 5/11/2005.

وقد زعمت سلطات الاحتلال في روايتها المخادعة أن الجنود شاهدوا شخصا يحمل بندقية آلية، فأطلقوا عليه الرصاص، قبل أن يتبين لهم أنه طفل كان يحمل بندقية بلاستيكية!

وتساءل الأب الثاكل: “ألم يرَ الجنود أن الذي يحمل البندقية لا يتجاوز طوله 120 سم، أم أن أرواحنا رخيصة لهذه الدرجة بالنسبة لهم”؟ وأشار إلى أن البندقية التي كانت بحوزة طفله الشهيد لم تكن ملكه، وإنما استعارها لحظة إصابته من أحد رفاقه الأطفال، مؤكداً أنه وجد نقود العيد في جيب طفله، دون أن ينفق منها شيئاً.

محمد بركة، عضو الكنيست عن الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، طالب في حينه بتشكيل لجنة تحقيق محايدة في ظروف استشهاد الطفل الخطيب، مؤكداً أن لجان التحقيق التي يشكلها الاحتلال تهدف بالأساس إلى إخفاء وتشويه الحقائق، وإبعاد الشبهة عن المجرمين، الذين طالب بتقديمهم إلى القضاء لنيل عقاب جدي ورادع على هذه الجرائم الإرهابية.

وقد خرجت في اليوم التالي (الاحد)، جماهير حاشدة من مدينة ومخيم جنين، في تشييع جثمان الشهيد الطفل أحمد الخطيب، إلى مثواه الأخير في “مقبرة شهداء ملحمة نيسان عام 2002″، يتقدمهم مئات الأطفال الذين طالبوا بإعطاء الحرية والحياة لأطفال فلسطين وحملوا صور الشهيدين الطفلين محمد الدرة، وإيمان حجو، اللذين سقطا بنيران قوات الاحتلال في أوائل الانتفاضة.

إسماعيل الخطيب (42 عاما) اتخذ القرار من دون تردد، عله في ذلك يخاطب ضمير كل أب وأم إسرائيلية، كي يخرجوا عن صمتهم لوقف جرائم قتل الأطفال الفلسطينيين.

“جنود الاحتلال اختاروا الموت لابني، وأنا بعد مشيئة الله، أردت أن اساعد اطفالا وأناسا اخرين كي ينعموا بالحياة.. بغض النظر عن عرقهم وقوميتهم ودينهم”.

وقال والد الطفل الشهيد: “أرجو أن تكون لتجربتي فائدة حيث إن دولة إسرائيل لم تؤمن بغصن الزيتون، ولم تفهم معنى السلام من غصن الزيتون، وأرجو أن تفهم معنى السلام وتؤمن به عبر تبرع والد فلسطيني بأعضاء ابنه الذي قتل عن طريق سلاحه الغاشم الذي لا يعرف معنى الإنسانية ولا يعرف معنى السلام ولا يعرف الا القتل والذي راح ضحيته المئات من الأطفال الفلسطينيين بدم بارد “.

إسرائيل التي لم تقم بمحاسبة أي من جنودها المتورطين في قتل مئات الأطفال الفلسطينيين خلال السنوات الخمس الماضية، بل على العكس كانت على الدوام تبرئ قتلة الاطفال وآخرهم ايمان الهمص، وجدت نفسها في وضع حرج عندما قابل الأب الثاكل جريمة قتل ابنه بدم بارد بإعطاء أمل لمرضى دون تمييز بين عدو أو صديق.

ويروي اسماعيل الخطيب لـ”الطريق” اصعب اللحظات التي عاشها بعد استشهاد طفله والاسباب التي تقف وراء مبادرته الانسانية، والاثر الذي تركه ذلك على نفسه واصداء ما قام به في اسرائيل والعالم باسره.

وقال : قضيت ثلاثة ايام الى جانب احمد في مستشفى ” رمبام” في حيفا حيث ابلغني الدكتور ريمون شحادة من قرية كفر ياسيف ان وضعه في غاية الصعوبة، إذ كان في حالة موت سريري. وكان مطلوباً ان تاتي لجان طبية متخصصة لتقرر بشأن رفع الاجهزة الحيوية عنه، وهو ما حصل في نهاية الامر.

واضاف: في تلك الاثناء سالت الطبيب ان كان بالامكان الاستفادة من اعضائه الداخلية بعد موت دماغه فكان الجواب بالايجاب. فطلبت فرصة من اجل استشارة الاهل ووالدته التي تفهمت الفكرة، وكذلك اخذ راي الدين في ذلك فبادرت الى الاتصال بصديق وهو مسعد عمار نائب مدير اوقاف جنين، والذي بدوره طلب اخذ رأي دار الافتاء فكان الجواب بجواز التبرع بالاعضاء بغض النظر عن العرق والدين، باستثناء العينين والاجهزة التناسلية.

ولفت الى معارضة احد اشقائه في البداية، “لكنه اقتنع باهمية هذه الخطوة لانها ستسهم في انقاذ حياة اناس اخرين، وهو ما كانت الاسرة بحاجة اليه قبل نحو عشرين عاما عندما كان شقيقنا بحاجة الى كلية ولم يجد من يمنحه اياها”.

” قبيل عملية نقل الاعضاء حضر صحافي من التلفزيون الاسرائيلي الى بيت خال الطفل وهو مصطفى الحبوب في مدينة ام الفحم وطلب اذنا بنقل العملية تلفزيونيا على الهواء مباشرة. وقد شعرت بالفخر والمواساة ان ارى بشرا تكتب لهم فرصة في الحياة.

وعن الاسباب التي دفعته الى هذه الخطوة، قال الخطيب: لم يغب عن بالي شقيقي شوكت الذي كان يعاني فشلا كلويا ولم يجد من يتبرع له بكلية ولا حتى بوحدة دم، اذ كنت الوحيد معه بسبب سفر باقي الاشقاء. لكنه فارق الحياة في العام 1985 وقد كان عمره 23 عاما. هذا كان محركاً رئيسياً للقيام بهذه اللفتة الانسانية.

واضاف: وفوق كل ذلك ظروف الحياة التي عشناها في مخيم جنين الذي ذاق الامرين بسبب العدوان الاسرائيلي المتواصل ، وفقدان اطفال كثر حياتهم وما عاناه اخرون من تشوهات بسبب رصاص المحتلين. كما ان وجودي في المشفى ومشاهدتي اطفالا يعانون دفعني للتبرع باعضاء طفلي الشهيد.

اعضاء الشهيد احمد توزعت بين خمسة مرضى، فلسطينيان من الداخل، وثلاثة اسرائيليين يهود.

القلب زرع للطفلة سماح غضبان (11.5 عاما) من قرية البقيعة الجليلية، واحدى الكليتين للطفل محمد كعبية (3 اعوام)، من عراد في النقب، والطحال لطفل اسرائيلي عمره 3 اعوام وعائلته تستوطن القدس، والكلية الاخرى لطفلة اسرائيلية في الثالثة من العمر ايضا، واما جزء من الكبد فزرع في جسم امراة اسرائيلية في الثامنة والخمسين من العمر. وكان مقررا ان يزرع عضو لطفل رضيع الا انه توفي قبل العملية.

ويقول الاب: رغم فداحة الفاجعة التي ألمت بنا فان شفاء خمسة اشخاص، يمنحني نوعا من المواساة، فانا ارى احمد في كل طفل اخذ عضوا منه. ونامل ان يكون هؤلاء الناس اصحاب قرار في المستقبل ويرفعوا صوتهم عاليا ضد ما يرتكب بحق شعبنا وان يساهموا في وضع حد في دوامة القتل والارهاب الذي تمارسه اسرائيل ضدنا. ومن يحمل في جسمه اعضاء من طفل فلسطيني لا اعتقد انه سيرفع سلاحا في يوم من الايام ضد انسان فلسطيني.

اسماعيل الخطيب بقي له الان خمسة ابناء بعد استشهاد احمد. 3 ذكور وبنتان: محمد (15.5 عاما)، خالد (14 عاما)، نور (10 اعوام) ايلاف (6 اعوام)، وتقوى (عامان). وهو ينتمي لاسرة مكونة من سبعة اشقاء.

كان قبل الجدار يعمل تاجرا موزعا للسلع ، ولكن بسبب الجدار توقف عن هذه المهنة ليعود الى مهنته الاصلية ميكانيكي سيارات حيث يملك محلا لتصليح السيارات في قرية برطعة الواقعة داخل الخط الاخضر.

ويقول الخطيب: برايي انني توجهت بالرسالة الصحيحة من الناحية الانسانية والسياسية خاصة للشارع والحكومة الاسرائيلية. واعتقد اننا حققنا انتصارا سياسيا ومعنويا واخلاقيا على جبهة الراي العام العالمي وكذلك الاسرائيلي.

وتابع: هناك 670 طفلا فلسطينيا على الاقل قتلوا خلال انتفاضة الاقصى اضافة لمن اصيبوا بجراح واعاقات، لكن احدا لم يلتفت الى هذه الجرائم. وانا لم اكن ارغب ان يكون ابني مجرد رقم كبقية الاطفال الشهداء، او ان يتم الاكتفاء ببوستر يظهر فيه وهو حامل بندقية كما حصل في حالات كثيرة. يجب ان ننأى بالاطفال عن هذه الصورة التي تفقدهم براءتهم . الطفل يظل طفلا. وقد تعمدت ان يظهر احمد في صورة وهو يعزف على آلة العود وليس وهو يحمل بندقية.

وحول ردود الفعل التي قوبل بها تبرعه باعضاء طفله، قال الخطيب: بالاساس كانت رسالة الشارع الاسرائيلي فقط لكنها اخذت صدى اكبر بكثير من المتوقع على مستوى العالم. فقد زارنا وفد ايطالي ضم 50 شخصا من البرلمانيين ورؤساء البلديات. الوفود تتوالي تباعا الى البيت بنفس زخم الايام الاولى لاستشهاد احمد.

واضاف: تلقيت الكثير من الدعوات من دول اوروبية لزيارتها والحديث عن هذه التجربة مثل المانيا وايطاليا التي قدمت لي جائزة عن عمل عظيم قام به شخص في العالم، وهي جائزة سنوية وساتوجه لاستلامها انا وزوجتي.

وعن حقيقة الاعتذار الذي قدمه شارون: قال الخطيب : بالفعل اتصل شارون بقريبي خال الطفل مصطفى الحبوب وهو من ام الفحم، وقدم له اعتذارا عن قتل احمد. كما اتصل بي ايهود اولمرت نائب رئيس الحكومة الاسرائيلية وقدم اعتذارا وعبر عن اعجابه بهذا الموقف الانساني. ودعاني للقائه في مكتبه بالقدس.

واضاف: ابديت استعدادي لذلك اذا كان الامر يخدم تحقيق السلام. وعبرت له عن امنيتي ان ارى الرئيس ابو مازن وشارون يجلسان على طاولة واحدة لانهاء عقود من الصراع ويضعان حدا لنزيف الدم المتواصل.

واشار الى قيامه بزيارة الى مقر الكنيست الاسرائيلي منصف تشرين الاول، بمبادرة من القناة الاولى في التلفزيون الاسرائيلي الذي اجرى مقابلة معي. وقد سبق ذلك بثلاثة ايام ان وجهت رسالة الى الكنيست من خلال نواب عرب ويهود توجهت فيها بنداء الى الاسرائيليين من اجل السلام العادل ووضع حد للاحتلال وما يتعرض له اطفال وشعب فلسطين من قتل واضطهاد.

وحول رد الفعل الفلسطيني سلطة وفصائل وجمهوراً، قال اسماعيل الخطيب: الامر تفاوت من شخص الى اخر. غير ان الرئيس محمود عباس دعاني الى مكتبه برام الله وعبر عن افتخاره واعتزازه، وقدم الدعم الكامل لمثل هذه الخطوة. كما التقيت بالعديد من المسؤولين الذين لم يختلف موقفهم. كما وصلتني برقيات تعزية من مختلف اركان السلطة الوطنية، ووقفوا الى جانبي في بيت العزاء.

واضاف: بالنسبة للشارع كان الامر في البداية غريبا، وقد ثار جدل واسع وعبر البعض عن مفاجأته من خطوتي هذه خاصة انني معتقل سابق، فيما وصلتني معلومات عن تحفظ اشخاص محسوبين على تيار سياسي، غير ان احدا لم يراجعني في الامر شخصيا، بل على العكس الكل وقف معي. وانا لم اكترث باي احتجاج لانني كنت متيقناً ان الخطوة سليمة وتخدم رسالة النضال الفلسطيني. وفي النهاية الشارع استوعب الامر وعبر عن ذلك بإبداء مزيد من التعاطف.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

عودة للصفحة الرئيسية

لإستقبال أخبار أقصى برس  مجاناً عبر جوالك إضغط هنا

أضف تعليق